بيت الشعر ـ نواكشوط ينظم سمرا ثقافيا حول "رمضان في الثقافة العالمة"

نظم "بيت الشعر - نواكشوط" ليلة البارحة بقاعة الأنشطة في البيت، سمرا رمضانيًا تحت عنوان: "رمضان في الثقافة العالمة"، وذلك بحضور كوكبة من الشعراء والمثقفين، حيث استمع الحضور إلى محاضرتين ألقاهما كل من: الأستاذ محمد فال عبد اللطيف، والأستاذ لمرابط دياه.

وفي كلمته الافتتاحية، أكد الأستاذ. د عبد الله السيد مدير بيت شعر نواكشوط، أن البيت اختار هذا العام إحياء شهر رمضان الكريم من خلال محاضرات حول "رمضان في الثقافة العالمة" و"رمضان في الثقافة الشعبية"، منوها بالتجربة الروحية العظيمة لهذا الشهر المبارك.

بعد ذلك استمع الحضور إلى الأستاذ محمد فال ولد عبد اللطيف، الذي استهل حديثه بقوله "وبعد فلما كان الأدباء يشبهون الحديث الليلي بالنجوى فلا بد أن أقدم بين يدي نجواي هذه باقة من الشكر والعرفان والذكر والامتنان لمؤسسة بيت الشعر في نواكشوط والقائمين عليها".

وتطرق ولد عبد اللطيف إلى موضوع محاضرته من خلال محاور عديدة أبرزها "رمضان في الوعي الجماعي الشنقيطي"، و"مكانة الصوم في الثقافة العالمة في المجتمع الشنقيطي"، ورمضان والأخلاق والعبادة"، ورمضان والشعراء"، قبل أن يختم بمتفرقات تتعلق بالصوم.

ولد عبد اللطيف بين في محور "رمضان في الوعي الجماعي الشنقيطي" تعظيم الموريتانيين لشهر رمضان، الذي يسمون به أبناءهم، وقال إن الشناقطة بلغ بهم الاعتقاد في بركة شهر رمضان "أنهم حكموا أن أيامه كلها سعد لا توجد فيه أيام النحس التي تحدث عنها أرباب هذا الشأن وذكرها السوسي في منظومته الشهيرة كأيام نحس يجب تجنبها، أما رمضان فيجوز للشخص أن يسافر في أي يوم منه وأن يغسل لباسه ويحلق شعره ويقلم أظفاره لا حرج عليه في شيء من ذلك، وكانوا يتحرون شهر رمضان لإبرام عقود الزواج التماسا لبركته".

وأضاف "من بركته عندهم أنه لا يحاسب المرء على ما أنفق فيه مما جعل بعضهم يعتقد أن الإسراف فيه جائز وهذا ما أقرته الثقافة العالمة بالرغم من كونه غير مؤسس من الناحية الفقهية".

وذكر بأن "شهر رمضان وخصوصا في أيامه الأخيرة يقترن (عند الموريتانيين) بنوع من الخوف والتوجس الغامض حتى في الثقافة العالمة ولاسيما في ليلة القدر فلا شك أنهم يؤمنون بأنها خير من ألف شهر وأن قيامها له فضل كبير. ولكنهم مع ذلك أحاطوها بهالة من التقاليد والأساطير والمعتقدات عكرت عليهم صفوها وذكروا من ذلك إطلاق سراح مردة الجن وانتشارهم في الفضاء وانتشار الأشباح وتحرشاتها ببني البشر"، مضيفا "ولم تفلح الثقافة العالمة في تبديد هذا النوع من الأساطير والقضاء عليه بلسان العلم بل كثير من حملة العلم انجرف وراء هذه الأساطير".

وفي محور "رمضان والشعراء"، رأى المحاضر أنه "كان من المفروض أن يكون لشهر رمضان حضور في الثقافة العالمة في ميدان الشعر الفصيح على غرار موسم الحج وموسم المولد النبوي الشريف لكن يبدو أن لتصفيد الشياطين في هذا الشهر تأثيرا على المنتوج الشعري"، وفق تعبيره.

وأضاف "معلوم أن الشعراء لهم علاقة وطيدة بالشياطين منذ عهد أعشى قيس وعبيد بن الأبرص ويبدو أن الإسلام لم يقض على كل ذلك بل ما زالت هنالك ثمالة من تلك العلاقة ولعل ذلك هو السر في كوننا لا نرى الشعر يزدهر في موسم رمضان ازدهاره في غيره".

واعتبر ولد عبد اللطيف أنه "لم يرد ذكر لرمضان في الشعر الشنقيطي إلا في نطاق المراثي عند ذكر محاسن الفقيد. وذكر صاحب كتاب "الوسيط" أن مولود بن أحمد الجواد أنكر على من أنكر صحة قول القائل: "رب صائمه لن يصومه" لأن الإضافة اللفظية لا يتعرف بها المضاف فيجوز دخول حرف رب عليه".

أما الأستاذ لمرابط ولد دياه فقد تركزت محاضرته حول رمضان عند الشعراء وتباين انطباعاتهم عنه قدوما وتوديعا.

وقال إن شهر رمضان يرتبط في الذاكرة الجمعية لمختلف المجتمعات المسلمة بعادات، وتقاليد في المأكل، والمشرب، وأوقات النوم، جعلت الناس – ومنهم الشعراء – ينقسمون قسمين: قسما يرى فيه موسما سنويا لمضاعفة الأعمال بالصيام، والقيام، والإنفاق والاستزادة من أعمال البر، وقسما يراه موسم جوع، وعطش وحرمان من الملذات.. ولذلك جاءت مواقف الفريقين متباينة تباين النظرتين المادية والروحية للأشياء".

واعتبر ولد دياه أنه "بالنسبة للثقافة الشنقيطية العالمة، فقليلة هي النصوص الشعرية التي تتحدث عن شهر رمضان بالسلب أو الإيجاب".

ولد دياه أخذ الحضور في رحلة مع الشعراء بيَّـن من خلالها كيف كان وقع رمضان في نفوسهم "فمنهم من ابتهج وتهلل لمقدمه، وطرب لرؤية الهلال، وسعد بالكنافة والقطايف فأفرد لها الأشعار، ومنهم من كانت حاله عكس هذه الحال فرأى في الشهر طولا وثقلا وحرمانا من الملذات".

وقال "أما الذين تهللوا لقدوم الشهر ورحبوا به وراحوا يعددون فضائله فهم كثر، ومنهم البحتري (بَنِي الإسْلامِ هذا خَيْرُ ضيفٍ / إذا غَشِيَ الكَريمُ ذُرَا الكِرَامِ...)، والشاعر الأندلسي ابن الصَّبَّاغ الجُذامِي (هَذَا هِلالُ الصَّوْمِ مِنْ رَمَضَانِ / بِالأُفْقِ بَانَ فَلا تَكُنْ بِالوَانِي)، ومحمود حسن إسماعيل (أَضَيْفٌ أَنْتَ حَلَّ عَلَى الأَنَامِ / وَأَقْسَمَ أَنْ يُحَيَّا بِالصِّيَامِ)، ومحمد التهامي في قصيدته "إلى الصيام" (دَعْنِي أبُلُّ لَدَى الصِّيامِ مَواجِعِي / وأُرِيحُ خَفْقَ الرُّوحِ تَحْتَ أَضَالِعِي).

وذكر المحاضر ببعض أشعار الشيوخ الموريتانيين التي تحثُّ المريدين على تعظيم شهر رمضان، كقول الشيخان ولد محمد الطلبه:

أيها الصحبُ عظموا رمضانا

وليكن عندكم مصوناً مصانا

فرِّقوا بينه وبين سواه

إذ به الحق أنزل الفرقانا

روِّحوا الروح بالتراويح ليلا

وضحىً فيه فاقرأوا القرآنا

وليحدث عن النبي مساء

بحديث يجدد الإيمانا.

ثم تحدث المحاضر عن الفريق الآخر من الشعراء الذين "يَشْكُون من رمضان مُر الشكوى، يغضبون لقدومه ويتذمرون ويعلنون عليه الحرب لما يعانون فيه من الحرمان"، مضيفا "لعل أول من أعلن هذه الحرب الظالمة على رمضان هو ذلك الأعرابي "أبو عمرو" الذي روى ابن قتيبة قصته في "عيون الأخبار"، و"أبو عمرو" هو القائل:

يَقُولُ بَنُو عَمِّي وَقَدْ زُرْتُ مِصْرَهُم

تَهَيَّأْ أبا عمرٍو لشَهْرِ صِيامِ

فقلتُ لهم: هاتوا جِرابِي ومِزْوَدي

سلامٌ عَلَيْكُم فاذْهَبوا بِسلام

فبادَرْتُ أَرْضًا ليس فيها مُسَيْطِرٌ

عليَّ، ولا منَّاعُ أَكْلِ طَعامِ.

كما تحدث المحاضر عن "شعراء الكنافة والقطايف"، قائلا "تكثر الأشعارُ عن الأحداث العظيمة في رمضان كليلة القَدْر وغزوة بدر، ونزول القرآن وصلاة التراويح، وتكثر الأشعار كذلك عن العادات والتقاليد كظاهرة المسحراتي والفوانيس وغيرها مما يطول بنا المقام لو رحنا نعدده ونقف على أقوال الشعراء فيه، لكن من أطرف الشعر ما قيل في حلوى رمضان من الكنافة والقطائف والمشمشية وغيرها.

واختتم ولد دياه محاضرته بأنواع وداع الشعراء لرمضان بين متشبث به حزين لفراقه (محمد التهامي في قصيدته "رمضان.. لا ترحل")، وبين فرحان بانقضائه (ابن المعتز: أَهْلًا بِفِطْرٍ قَدْ أَنَارَ هِلَالُهُ).

ليختم بتعبير لطيف أن رمضان على "حيرة في موكب الشعراء".