"المنتدى الموريتاني للأدب واللغة والثقافة....الراهن والرهان!" // محمد المامون محمد

إن الخلاص الإنساني اليوم من وعكة العنف والتطرف الفكري والأخلاقي والتقني مرهون بالمشاريع الثقافية الكبرى القادرة على الوعي بشروط اللحظة التاريخية والانخراط معها في حوار خلاق، ومشروط كذلك بمدى فاعلية هذه المشاريع في رؤيتها وتحليلها للاختلالات المركزية والأسئلة الجوهرية المطروحة على العقل الراهن.

وحيث إن هذه المهمة بالغة التعقيد، فإنها تحتاج في بنيتها العملية إلى أجنحة متعددة، وصياغات مختلفة، تجعل من كل مؤسسة تتبنى خيار التأثير والتغيير، تسعى إلى تقديم نموذجها النظري والعملي في حدود إمكانياتها ورهاناتها الموضوعية.

وسأحاول على عجالة في هذه الورقة المقتضبة، تأسيسا على ما سلف، الوقوف على الرهانات التي اجترحها "المنتدى الموريتاني للأدب واللغة والثقافة" في مساهمته الثقافية، تحملا للمسؤولية التاريخية وترسيخا لثقافة الحوار والانفتاح، ونشرا لثقافة الحرية والتنمية.

يقدم "المنتدى الموريتاني للأدب واللغة والثقافة" في ديباجته التأسيسية عددا مهما من الأهداف والأفكار التي يشتغل عليها ضمن خطته التي تشمل كما هو واضح في الاسم، ثلاثة مجالات حساسة للغاية، هي الأدب في روحانيته الرحبة، واللغة بما هي أداة الحوار والتواصل البشري، والثقافة كإطار جامع لشتى المظاهر والظواهر الفاعلة والمتفاعلة في المجتمع. وقد جاءت هذه الأهداف بالصياغة الآتية:

ـ ترسيخ الفكر والإبداع والحوار في الأدب واللغة والفنون والثقافة.

ـ تحقيق  التراث الأدبي واللغوي ونشره

ـ تشجيع  التواصل بين الكتاب والمبدعين

ـ إيلاء عناية لثقافة الحوار والانفتاح ومواجهة المخاطر الفكرية وتحديات التطرف

ـ تحمل المسؤولية الثقافية وتدعيم روح المواطنة والحكم الرشيد وتعزيز الوحدة الوطنية

ـ نشر ثقافة الحرية والتنمية 

ـ صيانة المكاسب الوطنية والعربية والدفاع عنها 

ـ الإسهام في التعريف بثقافة المجتمع وأدبه وتراثه

ـ خلق مسرح شعري يسهم في تحصين النشء وينمي فيه حب الإبداع والجمال والخير

ـ النهوض باللغة العربية وإثراؤها بالترجمة من اللغات والآداب العالمية

ـ العناية باللغات الوطنية عن طريق خلق برامج تدريسية

ـ الالتفات إلى الاستثمار في  الثقافة بوصفه قنطرة التنمية الحقيقية

ـ بناء منظومة ثقافية وأدبية وفنية عن طريق البرامج والنشاطات الثقافية

ـ نشر الأعمال الأدبية واللغوية والثقافية

ـ التواصل مع الكتاب والمثقفين والمنظمات المماثلة.

 

لا يخفى في هذه الأهداف المشروعة، الحس الإنساني الحالم والروح الوطني العالي والانتماء الفني المطلق. والجدير بالانتباه هو هذا التركيز على فكرة الحوار والتواصل التي يطرحها المنتدى ثم يؤكد عليها في كل مرة تصريحا وتلميحا. والواضح أن مشروع المنتدى الفكري قائم على تأسيس حوار مفتوح، يتجلى هذا الحوار على أكثر من مستوى، ويطرح في كل مستوى من هذه التجليات لرؤية خاصة، وهو بهذا يلفت الانتباه إلى تعدد روافد العطب الفكري والإنساني، وتشعب المداخل المتاحة في رحلة البحث عن الحوار الحضاري المطلوب. إن هذه المستويات التي يؤسس لها هذا الحوار المدشن من قبل " المنتدى الموريتاني للأدب واللغة والثقافة" تبدأ من البحث في التراث تحقيقا وتسييقا، أي بالانطلاق منه كمادة علمية ومعرفية تستحق أن ينفض عنها الغبار، وأن تعود إلى مجال الدرس والاعتبار، لكن هذا التحقيق (إعادة الإحياء) لا يلغي التسييق، فهذه المادة المعرفية تظل محافظة على تراثيتها، منتمية لسياقها التاريخي والثقافي، وهذا ما يطرحها المنتدى منذ النقطة الثانية في منظومة الأهداف: "ـ تحقيق التراث الأدبي واللغوي ونشره".

ثم وعلى مستوى آخر يرسخ المنتدى لحوار لغوي مفتوح، لا يقف عند حد المحلية الوطنية، ولا الأنا الثقافية، بل يتجاوز ذلك إلى الانغماس في الكونية الواعية بخصوصيتها النسقية وشروطها السياقية، وذلك حين يفتح باب الحوار اللغوي على أكثر من مصراع، مقدما في لفتة بالغة في الجدوى رؤية نهضوية تنموية بالانفتاح الوطني وإثراء اللغة العربية بروافد الآداب العالمية، وقد أسس المنتدى لهذا الحوار اللغوي من خلال نقطتين هما كما في ديباجة التأسيس:

" ـ النهوض باللغة العربية وإثراؤها بالترجمة من اللغات والآداب العالمية

  ـ العناية باللغات الوطنية عن طريق خلق برامج تدريسية. "

 

ولأن الفنون كانت دائما حجر البداية في أي لحظة تاريخية من اللحظات الكبرى، على امتداد الوجود الإنساني، فإن رؤية المنتدى الموريتاني للأدب واللغة والثقافة لم تهمل هذا التأثير البالغ والحضور الباذخ للفن في الروح البشري، لذلك كان العمل على صياغة حوار فني خلاق جزء من الأطروحة/الهدف التي يتبناها المنتدى، فأشار في رهان واضح على تنمية قيم الجمال والخير والإبداع إلى أن يكون هناك حوار مفتوح بين شتى الفنون الجميلة، تتفاعل داخله من أجل تقديم مادة فنية مركزة، ومثل لذلك بالاشتغال على " خلق مسرح شعري يسهم في تحصين النشء وينمي فيه حب الإبداع والجمال والخير"، كما جاء في منظومة الأهداف في الأعلى.

إن المنتدى الموريتاني بفتحه لهذا الحوار الممتد يؤكد على وعيه بما تتطلبه اللحظة من تواصل وحوار وانفتاح، ويدلي في هذا المضمار بالجلوس على طاولة الثقافة والعمل الفعال على نشر الأعمال الأدبية واللغوية والثقافية الكبيرة والمساهمة في بناء منظومة قيمية وفنية تنفع الناس وتمكث في الأرض. وفي هذا السياق، وكذلك دائما في سياق الحوار المطلوب، يشرع المنتدى الموريتاني للأدب واللغة والثقافة هذه النافذة الرقمية، تأكيدا على فاعلية التقنية والتكنولوجيا في رسم خريطة المجتمع البشري اليوم، وتشديدا على الانفتاح وضرورة التواصل الاجتماعي والثقافي والحضاري.