ها نحن ننطلق بحثا عن الأمل واسترجاعا للزمن // أ.د. عبد الله محمد سالم السيد

حين عرضنا فكرة هذا الموقع على أهل الرأي والاستشارة كدنا نعدل عنها؛ لأن الأفكار القيمة التي تلقيناها، والملاحظات التي استحضرت سياقات الفكرة ومتطلباتها كانت كفيلة بثنينا عن المتابعة فيها.

ولولا عزم بعض المبدعين بيننا، والشعور الذي تهبه لهم عظمة الإبداع، حين تتمرد على منطق المألوف، فتغوي بركوب دروب المغامرة، لكانت هذه الفكرة بمثابة تلك الأنثى الجاهلية التي وأدتها ظروف مجتمعها.

لكن ها نحن بفضل عزم أولئك المبدعين وعظمة إبداعهم نخطو خطواتنا الأولى في تنفيذ الفكرة، ولسان حالنا يشدو:

"وما نيل المطالب بالتمـــــني          ولكن تؤخذ الدنيا غلابــا

وما استعصى على قوم منال           إذا الإقدام كان لهم ركابا"

نخطو لدخول عالم سياقاته وظروفه لا تسمح بالاستمرار... فأي معنى لمولود ثقافي في مجتمع لا يقدر القراءة، ولا يصبر عليها؟ وأي مجال لموقع يريد أن يتميز في عالم باتت تقنية الاتصال تحد فيه من فردية الخيال، عن طريق "كتابة" يغلب عليها أسلوب "القص واللصق"؟ أي مجال للثقافة في مجتمع "مثقف"، ما شاء الله، يعرف فيه الفرد كل شيء، ويتكلم في كل أمر، ويعتقد جازما أنه هو وثقافته: فكره، وأدبه، وعاداته، وتقاليده، وخرافته، ورقاه، وطبه... "شعب الله المختار" الذي لم يلد الزمان له مثيلا!!

ولعل السؤال الذي سيؤرق القارئ أكثر هو سؤال الانتماء؛ فهذا المولود لا يريد ان ينتمي إلى الموالاة أو المعارضة، ولا إلى الجهات، أو القبائل، أو الطرق، أو الإثنيات أو القوميات، ولا يريد العضوية في اتحاد نقابي، أو مجتمع مدني، أو حزب سياسي؛ وإنما يسعى إلى اقتفاء خطى الكتابة، والإسهام في إنارة القارئ بما تجود به مخيلة الإنسان في هذا المجال، وبغض النظر عن انتماء ذلك الإنسان.

أجل نخطو خطوتنا الأولى وركام هائل من إشكالات التثبيط يطاردنا؛ أبسطها هواجس الكتاب والمبدعين، وأسئلتهم الذاتية من قبيل: ما ذا يستفيد هؤلاء من هذا العمل؟ وكيف يسهرون ليلهم ونهارهم يستجدون هذا للإسهام، ويراودون هذه للمشاركة دون أن تكون لهم من ذلك فوائد جلى؟!

كل ذلك وغيره ندركه، ونشعر كذلك أن المجتمع غالبا ما لا يتذكر المشاريع المريدة إلا عند توقفها، وأثناء لحظات التأبين السريعة، لكننا نعي دائما أن من مسؤولية الإنسان، وخلافته في الأرض أن يسعى، وأن ماهيته وكينونته، دنياه وآخرته هو ذلك السعي الذي إن فات العباد تقديره فإن الله به عليم، وبه نستعين، وعليه نتوكل في انطلاق موقع منتدى الآداب على هذا الفضاء الرحب؛ آملين من أهل البيان النصرة الدائمة، لعلنا نتمكن من خلق الأمل في واقع مثخن بالمحن والجراح، ولعل هذا الفعل يسهم في استرجاع زمن هذه اللغة ومجدها، ويبرز سعي إنسان هذا الفضاء للتعبير عن مسؤوليته وخلافته.