"نعم لتخصيص جائزة للفنون"/// أ.د. عبد الله السيد

تخصيص جائزة للفنون الجميلة باسم "جائزة رئيس الجمهورية" إجراء سليم؛ سيسهم، بكل تأكيد، في النهوض بهذه الفنون، وإيلائها عناية، ظلت تنتظرها منذ الاستقلال.

وتتجلى أهمية هذا الإجراء في أن الفنون هي حاملة خميرة النهضة والتقدم؛ لأنها تحمل القيم، والقناعات، والأفكار، والرموز الثقافية، والعادات... وتغيير هذه الأمور هو المسؤول عن دخول المجتمعات مرحلة التحديث.

أما استجلاب الصناعات والإلكترونيات ومظاهر المدنية الغربية الأخرى فيخلق وهم التحديث ليس إلا؛ لذلك لا غرابة أن تظل مجتمعاتنا العربية متخلفة استهلاكية؛ يعيش الفرد فيها ظروف المدنية الغربية في أحدث منجزاتها، بينما تتحكم في عقليته وسلوكه وقيمه أفكار الأحياء القبلية البدوية، ومعتقدات الخرافة البدائية.

إن قراءة متأنية للواقع الذي نعيشه منذ تأسيس الدولة حتى الآن ستخرج بنتائج تؤكد حاجتنا إلى الجوائز، وإلى تكريم الإبداع والمبدعين، وإلى ضرورة تنزيل النخبة الثقافية المنزلة التي تليق بها للنهوض بالتنمية وبالإنسان.

لقد تقدمنا تقدما سريعا في تغيير مستويات بنياتنا العمرانية (عمارات ودور، وطرق معبدة هنا وهناك، وموانئ ومطارات...)، وفي وسائلنا (سيارات وطائرات وبواخر، وحواسيب وهواتف...) بدل ما كنا عليه وما كان لدينا (خيام وبر، ودواب، وما خف من الملابس والأمتعة).

ولكن هل صاحب هذا التقدم السريع تغيرا في البنيات الذهنية وفي التصورات والقيم؟ وبأي معنى يكون مجتمعنا قد تقدم في المجالات العقلية وفي التصورات والقيم والفساد لا يزال ينخر مختلف مرافق الحياة العامة والخاصة، والخرافة تعشعش في شعور الأفراد، وتوجه سلوكهم، والمجتمع صفحة بيضاء يمكن لكل دعاية أن تأخذ بتلابيبه نحو دروب المجهول؟

لقد عاشت أوروبا عهودا ثقافية وفكرية؛ حطم فيها العقل تصورات التفكير الخرافي والإقطاعي، وأسس للنهضة العمرانية والصناعية، فبنيت السياسة على العقل والحرية، وأسس الاقتصاد على التدبير، ولم تمنح الدول الاستعمارية دول العالم الثالث "استقلالها" إلا بعد تأكدها من ضمان استمرار مصالحها في تلك البلدان.

وحين بدأت نخب تلك البلدان طريقها نحو التنمية، وبناء الإنسان ظنت، وهما، أنها تستطيع اللحاق بالآخر بتغيير المظاهر المادية، فركزت على التكوين التقني، وعلى استجلاب الحواسيب، وصرف الميزانيات في شراء مختلف موضات الصناعات الغربية، بينما لم تعط عناية كبيرة للفنون والآداب والفكر والثقافة، وجعلت المشتغلين بها "مستوردي أفكار"، والتكوين فيها مجرد عبث؛ الأمر الذي أسفر عن تنمية كسيحة، وعن نهضة وهمية، وعن مجتمعات تزداد تخلفا وتشرذما.

إن استحداث جوائز و"راليات" في الآداب والفنون، وتأسيس مسرح وطني، وسينما، والعناية بالموسيقى، والتراث تكوينا ودراسة من شأنه ان ينهض بالثقافة والمجمع، إذا رافقته إرادة سياسية وتربوية؛ تنطلق من حقيقة المجتمع وهويته، ومن حاجاته، وتعتمد على القدرات الذاتية، بدل الارتماء في الوصفات الجاهزة لرجال الدول الاستعمارية تحت دعاية "الخبراء الدوليين" أو "مكاتب الخبرة العالمية"، و"مؤسسات المانحين" و"الشركاء الاقتصاديين"، وغير ذلك من الأسماء التي تكبل خططنا التنموية والثقافية والفكرية، وتخفي وراء حجبها عري المستعمر، وجشعه، ومصالحه.