تواصلت فعاليات مهرجان الأدب الموريتاني في نشاطه الثاني الذي نظم في مقر بيت الشعر نواكشوط مساء اليوم الثلاثاء، وكان النشاط حول محور "مراحل تطور السرد الموريتاني" وهو الأول من المحاور التي يطرحها ويناقشها المهرجان.
الندوة العلمية ضمت أربع مداخلات علمية من دكاترة جامعيين ومختصين، فيما شهدت تعقيب كاتبين من رواد الكتابة القصصية في موريتانيا، فيما أدارها الدكتور محمد بوعليبه.
وفي بداية تقديمه للندوة رأى د. ولد بوعليبة "أن تناول السرد في موريتانيا أمر صعب وسهل معا، لكون الثقافة فيها ظلّت شفاهية فترات طويلة، معضّضا فرضيّة أن الغنائيات الملحميّة المعروفة محلّيّا ب"اتْهَيْدينْ" ما هي إلا نصوص سرد شعبيّة، وأن الذاكرة العربية في تراثها السرديّ تأثّرت باستقبال".
أحال الكلمة بعدها إلى المتدخل الأول وهو الدكتور أحمد حبيب الله الذي تطرّق في محاضرته إلى منزلة السرد في النثر الموريتانيّ؛ المقامات والأشكال للأدب القصصيّ نموذجا، موضحا أن تاريخ السرد في البلاد الموريتانية قديم منذ ظهور أول انعكاس ثقافيّ للهجرات العربية من خلال التعاليم الإسلامية والمتون التراثية، واصفا بنية هذا السّرد بالمختلفة نسبيا عن نظيرتها السابقة، وإن شابهتها إلى حد المحاكاة شكليا في أغلب نواحيه، وشهد السرد تطوّرا ونضوجا كبيرا مستفيدا من نثر المقامات الحريرية ضمن بيئة صحراوية تقلّ فيها الحواضر والمدن، معزّزا وجود سرد موريتانيّ صِرْف في فترة زمنيّة تمتد لقرون بعد نشوئه، وهو يتنزّل منزلة عليا لمنافسته الجنس الشعريّ الذي شكّل الذائقة الموريتانية، متطوّرا إلى أنواع سردية أعمق وأشمل وأكثر تعبيرا عن تحوّلات المجتمع اللاحقة".
أما الدّكتور الداهي ولد محمد المهدي فقد أطر مداخلته حول أنموذج "رحلة المنى والمنّة لأحمد المصطفى ولد اطوير الجنّة" كمثال على أن 'الرّحلة الشنقيطيّة يمكن تصنيفها نصّا قصصيّا، معتبرا أن تبلور مفهوم الوعي أو الاهتمام بالأشكال السردية لم يظهر إلا مؤخّرا نتيجة لعوامل معروفة وحتميّة، في حين أن أدب الرّحلات قصص سرديّ واصف لصيغ وحالات المستوى الثقافيّ النثريّ حينها.
الدكتور سيداتي سيدي الخير وهو المحاضر الثالث تناول موضوع "القصة في موريتانيا من التراث إلى الحداثة" وركّز في حديثه على القصّة القصيرة لنقلها الواقعَ من جزئية صغيرة ودقيقة باعتبارها أوّل نواة شكّلت في ما بعدُ امتداد تنامي ظاهر الأعمال السردية، واصفا انحصار نماذج القصّة الموريتانيّة في مواضيع محددة تتعلّق بالوعي المحلّيّ والتلاقح الثقافيّ والموقف التأمّليّ التّعبّديّ من الكون والموجودات الذي شهده أثناء امتزاجه ببقية مجتمعات المنطقة".
أما الدكتورة زينب عابدين فاختارت "منزلة القصص في الثقافة الموريتانية" مقسمة أنماط القصص في الثقافة إلى قصة قائمة على المحاكاة مكتوبة على نموذج إبداعي سابق، وقصة منفصلة عن النموذج القصصي العربي، لتستطرد بعد ذلك في حديثها حول الحكايات الشعبية المتداولة معتبرة أن المدونة الشفاهية بقيت زاخرة بكم كبير من نصوص القصص السردي التي كان لها دورها في ترسيخ القيم والأخلاق والحفاظ عن المنظومة السلوكية المجتمعية وأعرافها.
وعن الشهادات فقد بدأت مع الأستاذ الأديب محمد فال عبد اللطيف الذي تحدث عن اهتمامه منذ البدايات بالنثر السردي معتبرا أن ذلك كان يمثل نوعا من الخروج عن النسق الثقافي الذي نشأ فيه، ليدخل بعد ذلك في عرض مؤلفاته التي اشتغل من خلالها على كتابة نماذج من الأدب السردي، والتي من بينها مجموعة من المقالات ذات الطابع الاجتماعي والأدبي والسياسي التي لا تخلو في بعض الأحيان من نبرة ساخنة، حسب عبارته.
بينما أدلى الأستاذ الشيخ بكّاي بشهادة عنونها ب"معاناة كتابة القصة في مجتمع ذائقته شاعرية"، مستعرضا فيها بعض جوانب تجربته في كتابة النصوص الأدبية من قصة ورواية معتبرا أن القصة الصحفية كانت هي الباب الذي دخل منه إلى عالم الكتابة الأدبية، رغم اهتمامه الموضوعي كمعظم جيله بالشعر في البداية. كما قدم الأستاذ بكاي آرائه حول تحديات كتابة السرد في المجتمع الموريتاني.
وقد اختتم فعاليات الندوة مع مداخلات الحضور الذي تنوع بين الدكاترة والأساتذة الجامعيين والباحثين المختصين في الآداب والعلوم الإنسانية والشعراء والأدباء وطلبة الجامعة.